وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) يقول تعالى: ( ولما سكت) أي: سكن ( عن موسى الغضب) أي: غضبه على قومه ( أخذ الألواح) أي: التي كان ألقاها من شدة الغضب على عبادتهم العجل ، غيرة لله وغضبا له ( وفي نسختها هدى ورحمة) يقول كثير من المفسرين: إنها لما ألقاها تكسرت ، ثم جمعها بعد ذلك; ولهذا قال بعض السلف: فوجد فيها هدى ورحمة. وأما التفصيل فذهب ، وزعموا أن رضاضها لم يزل موجودا في خزائن الملوك لبني إسرائيل إلى الدولة الإسلامية ، والله أعلم بصحة هذا. ولما سكت عن موسى الغضب استعارة – المحيط. وأما الدليل القاطع على أنها تكسرت حين ألقاها ، وهي من جوهر الجنة فقد أخبر الله تعالى أنه لما أخذها بعد ما ألقاها وجد فيها هدى ورحمة. ( للذين هم لربهم يرهبون) ضمن الرهبة معنى الخضوع; ولهذا عداها باللام. وقال قتادة: في قوله تعالى: ( أخذ الألواح) قال: رب ، إني أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب ، إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون - أي آخرون في الخلق - السابقون في دخول الجنة ، رب اجعلهم أمتي.
وهكذا نجد المنهج هدى ورحمة، فمن يسمع كلام الله ويتبعه يهتدي ويرحمه ربنا؛ لأنه جعل الله في باله, وخاف من صفات الجبارية في الحق، ولهذا لابد أن يستحضر الإِنسان أو المؤمن رهبته لربه وخوفه منه - سبحانه - ليكون المنهج هدى ورحمة له. ويكون من الذين يرهبون ربهم. وساعة ترى المفعول تقدم في مثل قوله سبحانه هنا: {... لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] نفهم أن هذا هو ما يسمى في اللغة " اختصاص " وقََصْر مثلما قال الحق في فاتحة الكتاب: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ}. وما الفرق بين { إِيَّاكَ نَعْبُدُ} و " نعبدك "؟ إن قلنا: " نعبدك " فهو قول لا يمنع من العطف عليه، فقد نعبدك ونعبد الشركاء معك؛ لكن قولنا: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي خصصناك بالعبادة وقصرناها عليك سبحانك فلا تتعدى إلى غيرك. إذن حين تقدم المفعول فهذا هو عمل الاختصاص. ومثال ذلك في حياتنا حين نقول: " أكرمتك " ، ولا مانع أن نقول بعدها " وأكرمت زيداً وأكرمت عمراً ". القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأعراف - الآية 154. لكن إن قلت: إياك أكرمت، فهذا يعني أني لم أكرم إلا إياك. وهنا يقول الحق: { لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}. ولقائل أن يقول: ألا يمكن أن يدعي أحد الرهبة ظاهراً وأنه ممتثل لأمر الله رياء أو سمعة حتى يقول الناس: إن فلاناً حسن الإِسلام، ويأخذون في الثناء عليه؟ ولكن هنا نجد التخصيص الذي يدل على أن العبد لا يرهب أحداً غير الله، وأن الرهبة خالصة لله، وليست رياء، ولا سمعة، ولا لقصد الثناء.
فَوَصْفُ النُّسْخَةِ بِأنَّ فِيها هُدًى ورَحْمَةً يَسْتَلْزِمُ الأصْلَ المُنْتَسَخَ بِذَلِكَ؛ لِأنَّ ما في النُّسْخَةِ نَظِيرُ ما في الأصْلِ، وإنَّما ذُكِرَ لَفْظُ النُّسْخَةِ هُنا إشارَةً إلى أنَّ اللَّوْحَيْنِ الأصْلِيَّيْنِ عُوِّضا بِنُسْخَةٍ لَهُما، وقَدْ قِيلَ: إنَّ رُضاضَ الألْواحِ الأصْلِيَّةِ وضَعَهُ في تابُوتِ العَهْدِ الَّذِي أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ - تَعالى - ﴿أنْ يَأْتِيَكُمُ التّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِن رَبِّكم وبَقِيَّةٌ مِمّا تَرَكَ آلُ مُوسى﴾ [البقرة: ٢٤٨] في سُورَةِ البَقَرَةِ. وقَوْلُهُ ﴿لِلَّذِينَ هم لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ يَتَنازَعُ تَعَلُّقَهُ كُلٌّ مِن (هُدًى) و(رَحْمَةٌ)، واللّامُ في قَوْلِهِ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ لامُ التَّقْوِيَةِ دَخَلَتْ عَلى المَفْعُولِ لِضَعْفِ العامِلِ (p-١٢٣)بِتَأْخِيرِهِ عَنِ المَعْمُولِ.
قال: رب ، إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرءونها - كتابهم - وكان من قبلهم يقرءون كتابهم نظرا ، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا منها شيئا ، ولم يعرفوه. قال قتادة: وإن الله أعطاهم أيتها الأمة من الحفظ شيئا لم يعطه أحدا من الأمم. قال: رب ، اجعلهم أمتي. قال: رب ، إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول ، وبالكتاب الآخر ، ويقاتلون فصول الضلالة ، حتى يقاتلوا الأعور الكذاب ، فاجعلهم أمتي. قال: رب ، إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ، ويؤجرون عليها - وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه ، بعث الله عليها نارا فأكلتها ، وإن ردت عليه تركت ، فتأكلها السباع والطير ، وإن الله أخذ صدقاتكم من غنيكم لفقيركم - قال: رب ، اجعلهم أمتي. قال رب ، إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها ، كتبت له حسنة ، فإن عملها ، كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف رب اجعلهم أمتي. قال: رب ، إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها ، فإذا عملها كتبت عليه سيئة واحدة ، فاجعلهم أمتي: قال: تلك أمة أحمد. قال: رب ، إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم ، فاجعلهم أمتي.
حرص المسلم على العمل الصالح بما أنعم الله -تعالى- على العبد من النعم، كما كان من سليمان وداود -عليهما السلام- حين أدّيا شكر الله تعالى على ما آتاهم من النعم والأفضال، وذلك بنفع العباد وحمده -تعالى- باللسان. حزم المسلم في ما يديره من شؤون حياته وفي رعيته، كما في قصة سليمان -عليه السلام- مع الهدهد، لما في الحزم من إيجاد أفضل النتائج، ففي الحزم تكمن الرحمة. ما سبب نزول سورة النمل - منبع الحلول. العناد والاستكبار واعتداد العبد بما يملك لا يجلبان له إلا الخسارة، فيحرص المسلم على الابتعاد عنهما، فملكة سبأ مع ما تملكه من مظاهر القوة والحضارة، فلم يجعلها ذلك تقاوم دعوة سليمان، بل أعملت عقلها، فوصل بها المطاف في النهاية إلى الإيمان بالله تعالى، فكسبت رضا الله، وأمن قومها الحرب. التفكر والتدبر في ما حول المسلم -مع خلو شوائب الهوى- دائمًا ما يوصل الإنسان إلى الهدى، فيحرص المسلم على استحضار التدبر في ما حوله من مظاهر قدرة الله تعالى. توكل المسلم على الله -تعالى- في كل أموره، دون الالتفات لما يعترضه -وبالأخص الداعية- من معوقات، فالله -تعالى- مع الذين هم على الحق المبين. وللاستزادة حول سورة النمل وأبرز محاورها يمكنك الاطلاع على هذا المقال: تأملات في سورة النمل كما يمكنك معرفة ما ورد من سبب نزول لسورة النمل بالاطلاع على هذا المقال: سبب نزول سورة النمل المراجع [+] ↑ رواه ابو داود، في سنن ابي داود، عن الشعبي وأبو مالك وقتادة وثابت بن عمارة ، الصفحة أو الرقم:787، مرسل.
سبب تسمية سورة النمل الشيج جمال القرش - YouTube
فضلًا شارك في تحريرها. ع ن ت
↑ أبو داود ، سنن أبي داود ، صفحة 91. ↑ الفيروزآبادي، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ، صفحة 352. بتصرّف. ↑ جعفر شرف الدين، الموسوعة لقرآنية ، صفحة 177-182. بتصرّف.